في الذكرى السنو&..." /> كوبا.. دروس لم يستوعـبها الربيع العـربي 2015

موقع الأديب سعيد العلمي. منذ 2020/10/2 WEB del escritor Saïd Alami. Desde 2/10/2020 |
ALBUM DE FOTOS | LIBRO DE VISITAS | CONTACTO |
 
 

WWW.ARABEHISPANO.NET المـوقـع الـعـربي الإسـباني


(إسبانيا) موقع الأديب سعيد العلمي

WEB del escritor y poeta Saïd Alami

وجوديات
وجدانيات
القصيدة الوطنية والسياسية
قصص سعيد العلمي
الصوت العربي الإسباني
POESÍA
RELATOS de Saïd Alami
La Voz Árabe-Hispana
Artículos de archivo, de Saïd Alami

 

مقالات من الأرشيف

كوبا.. دروس لم يستوعـبها الربيع العـربي 2015

في الذكرى السنوية الـ 56 للثورة الكوبية

كوبا: دروس لم يستوعـبها الربيع العـربي

سعـيد العـلمي

   عـدت للتوّ من جمهورية كوبا وقـد عـدت معجبا بها كما كـنت من قبل أن أزورها، ولكن أكثر.هذا الشعب العظيم بثورته العظيمه التي مكّـنـتـهُ من الوقوف وقفة الند للند في مواجهة أقوى دولة في العالم وأكثرها جبروتا وعـتيا وظلما وعـدوانا على باقي شعوب الأرض في تاريخ البشرية، أمريكا وما أدراك ما أمريكا، التي أذاقـتـنا نحن العـرب الويلات أصنافا وألوانا  منذ أن تحولت واشنطن وبيتها الأبيض وكونغرسها ووسائل إعلامها وكبرى بنوكها الى مستوطنات صهيونية إسرائيلية.

   لقد وجدتُ في كوبا شعـبا دمث الأخلاق سلس المعاملة له من الكرامة والكبرياء ما يفوق بكثير حجمه على خريطة العالم وبين شعوب الأرض، عِـلـما بأن تعداد سكان كوبا لا يتجاوز ألـ 11 مليون نسمه وعلما بأنها جزيرة لا تـتجاوز مساحتها المائة والعشرة آلاف كيلومتر مربع وأنها ظلت مستعـمرة منذ أن اكـتـشفها الإسبان في نهاية القرن الخامس عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر ثم بقـيت في حُـكم المستعمرة من طرف أمريكا حتى 1959 وأنها رزحت منذ ذلك الحين وحتى الآن تحت وطأة حـصار إقتصادي أمريكي  حرم الكوبيين من تحـقـيق مستويات أعلى من التقدم على كافة الأصعدة.

   لكن كوبا رغم ذلك، وعلى فـقـرها الناجم أساسا عن هـذا الحـصار الهـمجي الطويل، تقدم لشعـبها  التعليم المجاني من الروضه وحتى أرقى مستويات الدراسة الجامعية، وتقدم له الطب المجاني بمختلف اخـتصاصاته وأدويته، وهو طـبٌ بلغ من التطور الأكاديمي والعِلمي والسريري مستويات مرموقة بين دول العالم حتى أن الأطباء الكوبيين المبعوثين من طرف حكومة راؤول كاسترو يعتبرون حاليا رأس الحربة في مكافحة مرض إيبولا في إفريقيا السوداء رغم ما يحاطون به من تعتيم إعلامي غربي. ونضيف الى ذلك أن عـشرات الآلاف من الطلاب العرب والأفارقة واللاتينيين الأمريكيين تخرجوا في النصف قرن الأخير من كليات الطب في كوبا وما زالوا يتخرجون وكل ذلك على نفقة الحكومة الكوبية الفـقـيرة إيمانا من نظامها السياسي وعـقيدتها الثورية بأن الثورة الكوبية هي في خدمة الإنسانية جمعاء.

   ومن هذا المنطلق يتوافد المئات من المرضى من شتى انحاء العالم إلى كوبا للعلاج مجانا، بما فيهم القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية، ممن يحاطون من طرف الإعلام الغربي بالتعتيم الإعلامي المطبق بينما يمكن مشاهدتهم عـبر القنوات التلفزيونية الكوبية والفنزويلية وغيرها في جنوبي أمريكا ودول البحر الكاريبي يبكون من شدة تأثرهم عاطفيا بالمعاملة الإنسانية الفذة التي يتلقونها في مستشفيات كوبا مجانا ودون مقابل. يبكون عرفانا للجميل بينما يشرحون كيف سُـدت أبواب المستشفيات في وجوههم في موطنهم الأمريكي لعدم مقدرتهم دفع التكاليف الباهظة لعملياتهم الجراحية هناك. يبكون إذ لم يكونوا يتصورون يوما – على حد قولهم أمام الكاميرات- أن كوبا يمكن أن تدفع للأمريكيين حـصارهم الخانق عليها بمعالجة مواطنين أمريكيين مجانا في مستـشفياتها.  

   التعليم المجاني والتغـطية الصحية المجانية كاملة هي مكاسب حقـقتها الثورة الكوبية لشعبها  بينما لا تحلم بهكذا مكاسب معـظم شعوب العالم بما فيها الشعـب الأمريكي رغم انتمائه إلى أعظم وأغـنى دولة في العالم، لكنها عظمة وغـنى لا يسـتـفـيد منهما إلا قطاع محدود من الـ 316 مليون مواطن أمريكي بينما يستفـيد الشعب الكوبي بأسره من خزينة دولته الفـقـيرة.

   وكوبا إضافة إلى ذلك هي بلاد جميله ذات طبيعة خلابه وشعـبّ مثقف لا يعرف الأمية منذ عـقود من الزمان بفـضل الجهود الجبارة التي بذلتها حكومة الثـورة، كما أنك لا ترى في شوارع عاصمتها الجميلة هافانا ولا في باقي مدنها وقراها أثرا للشحاذة والشحاذين والمشردين الذين باتت تغـص بهم شوارع مدن أوروبا وكندا والولايات المتحدة فإن ما يقارب الـ 35 مليون إنسان مشرّد يفـتقـرون إلى مأوى في هذه الأخيرة بينما عشرات الملايين من الأوروبيين ومئات الملايين من أبناء الشعوب الأخرى يعانون من آفة التـشرد داخل بلادهم في أنحاء العالم.

   وكوبا مدن وقرى جميلة ونظيفه، نظافة لم أشهد مثيلا لها في عديد دول العالم التي أعرفها والتي طالما ترددت عليها أو زرتها لماما أو شاهدتها عبر تقارير تلفزيونية. إن معظم مدن أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تقـف على مراحل خلف كوبا في بند النظافة ، سواء نظافة الشوارع والمرافق الصحية والمرافق العامة أم نظافة الناس وهندامهم ومظهرهم.

   وكوبا بلاد الفن والفنانين، فهي قـوة موسيقـية عظمى، ويكفي أن نعرف أن معظم الأغاني التي تـُسمع باللغة الإسبانية في المراكز التجارية الكبرى وفي أماكن الملاهي والمنتزهات ووسائل المواصلات في شتى أنحاء العالم، بما فيها البلدان العربية، هي أغان كوبية تم تلحينها على ايقاعات السالسا والرومبا والهبانيرا والأفروجاز وألوان موسيقية كوبية أخرى عالمية الانتشار أصولها من إفريقـيا السوداء بنسبة كبرى ومن الفلامينكو الإسباني بنسبة أصغر، فلا ننسى أن الشعب الكوبي مكوّن أساسا من أحفاد العـبيد الأفارقة والمستعمرين الإسبان.

بلاد الأمن والأمان

   وكوبا بلاد الأمن والأمان الذي تتمناه ولا تجده معظم دول العالم لاسيما في أمريكا اللاتينية. إن المتابع لمجريات الأمور والأحداث في محيط كوبا الجغرافي والذي يضم شمالا وعلى بعد 150 كيلومترا فقط الشواطئ الجنوبية للولايات المتحدة (ولاية فلوريدا) ويضم جزر ودول البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى بما فيها المكسيك، ليـُـذعـر ويـُـصاب بالرعاش إذ يطلع على معدلات الجريمة فـيها وهي معدلات وصلت في دول كالمكسيك وكولومبيا وهوندوراس وغـيرها من دول تلك المنطقة حدودا لا تـقـل بشاعة عـما تـتـناقله بشراهة ونهم وكالات الأنباء الغـربية (وتنقل عنها بالحرف الواحد وسائل الإعلام العـربية) عـما يجري من قـتـل وقطع رؤوس في العراق وسوريا.

   ففي دراسة  صدرت في شهر نوفمبر الماضي عن جامعة  فانديربيلت ومقرها مدينة ناشفيل في ولاية تينيسي الأمريكية فإن المعدلات المذكورة للعـنف والجـريمة أصبحت تشكل أهم عوامل زعزعة الديـموقـراطيات في أمريكا اللاتينية لما تولده من انعدام ثـقة بمؤسسات الدولة لدى شعوب تلك المنطقة ومن مطالبات شعبية بالضرب من يد من حديد للحفاظ على الأمن. واستـنادا للدراسة فإن منطقة أمريكا اللاتينية بما فيها بحر الكاريبي تعاني من أعلى معـدل جريمة في العالم بمتوسط 23 جريمة قـتل لكل 100 الف نسمه في السنة وهو ما يعادل ضعـف ما تسجله القارة الإفريقية في هذا المضمار. ويشتـد ارتفاع معدل الجريمة بشكل ملحوظ إذا حصرناه في منطقة أمريكا الوسطى والكاريبي، التي تنتمي لها كوبا، ليصبح 34 جريمة قـتـل لكل 100 ألف نسمة وتسـتـقـر هذه الأرقام عـند مستويات بالغة الخطورة في بعـض بلدان المنطقه لاسيما في مدن تقع في هوندوراس والسالفادور وجمهورية الدومينيكان والمكسيك حيث تراوح الـ 120 الى 130  جريمة قـتل لكل 100 ألف نسمه فيما يبدو أنها أجواء حرب حقيقية تدور بين عـصابات الجريمة المنظمة ومهربي المخدرات ويروح ضحيتها آلاف الأبرياء سنويا. فإذا أخذنا بعـين الإعـتبار أن معدل الجريمة في كوبا هو 4 جرائم قتل لكل 100 ألف نسمه، استـنادا الى الأمم المتحدة، فإننا نستتنتج أن كوبا تقـف في مصاف دول العالم الأكثر أمنا وأمانا.

عهد كوبي جديد

   إن إعلان الرئيس الأمريكي أوباما في 17 ديسمبر الماضي (2014) نية إدارته رفع الحظر عن كوبا وإقامة علاقات دبلوماسية معها (وهما خطوتان لم يتم إنجازهـما حتى كـتابة هـذه السطـور) بعـد مفاوضات اسـتمرت لعدة شهور ودارت في العاصمة الكندية أوتاوا يعـتبر نصرا تاريخيا للثورة الكوبية التي لم تتخلى عن ثوابتها في يوم من الأيام.

    لـقـد اعـترف أوباما أن أهداف الحصار الأمريكي على كوبا والذي بدأ في يناير 1961  " لم يحقق الهدف الدائم من تـشجيع ظهور كوبا مستـقـرة ومزدهرة وديموقراطية. إننا لا نستطيع أن نواصل عمل الشئ ذاته منتظرين تحقيق نتيجة مختلفة. إن دفع كوبا نحو الهاوية لا يفيد الولايات المتحدة في شئ ولا يفيد الشعب الكوبي".

   إن كوبا اليوم مستقرة بل هي أكثر بلدان أمريكا اللاتينية إستـقرارا منذ عشرات السنين وذلك رغـم جبروت جارتها العـملاقة والعدوانية أي الولايات المتحدة التي حاولت إجهاض الثورة الكوبية بهجوم عسكري  كبير شـُـن على ساحل خليج الخنازير جنوبي الجزيرة. وكان الرئيس آيزنهاور قد اتخذ القـرار بشن ذلك الهجوم لكن تنفيذه لم يتم حـتى تسلم جـون كنيدي الرئاسة من بعـده. غـير أن كينيدي لم يكن  يؤيد ذلك الهجوم الذي كانت قد دبرته بالكامل وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية CIA.

   لقد شهدت معـركة خليج الخنازير التي بدأت في 15 أبريل واستمرت حتى 19 من ذات الشهر عام 1961 هزيمة نكراء للولايات المتحدة رغـم أن القوات المشاركة فيها كانت كوبية في معـظمها، بعـد أن تم تشكيلها وتسليحها وتدريبها وتمويلها من طرف الولايات المتحدة بهدف الإطاحة بحكومة الرئيس فيديل كاسترو الثورية.

   وجاء ذلك الغـزو الأمريكي بكتيبة قوامها 1500 رجل جوا (30 طائرة حربية) وبحرا ( 15 من السفن والزوارق الحربية) وبمعـدات ثقيلة كالدبابات والمدرعات. وانتهت عملية الغـزو تلك بفـشل ذريع بفـضل الرد الصارم للجيش الثوري الكوبي الذي كان ما زال في مرحلة تكوينه الأولى ولكنه هزم القوة الغازية وقـتل نحـو 130 من أفرادها وأسر نحو 1200 آخرين. وكان الهدف من ذلك الهجوم، حسب الخطة الأمريكية، إقامة رأس جسر في المنطقة المحيطة بخليج الخنازير وإعلان حكومة كوبية بديلة فيها سرعان ما تعـترف بها  الولايات المتحدة وحلفائها ومنظمة الدول الأمريكية ثم تقـوم هذه الحكومة البديلة باستدعاء قـوات أمريكية لمساعدتها ضد حكومة كاسترو. وكانت المؤامرة تعتمد أساسا على أن يلتف شعب المنطقة المذكورة حول القوة الغازية ويستقبلها بالورود والرياحين ولكن بدلا من ذلك فإن الشعب في المناطق المحيطة بخليج الخنازير لم تقدم أي مساعدة للغـزاة بل تصدى الكثيرون من أبناء الشعـب لهم. 

   ولقد كان ذلك الهجـوم الكبير وتلك الهزيمة الأمريكية آخر عهد الولايات المتحدة بجمهورية كوبا بعـد أن ظـلت تـتحكم في مقاديرها جميعا منذ أن استقـلت كوبا عن إسبانيا في 1898 وحتى نجحت الثورة الكوبية نهائيا في مطلع عام 1959 بعـد 25 شهرا من الكفاح المسلح بقـيادة المحامي فـيديل كاسترو وزملائه من قادة الثورة. وكانت أمريكا قد استعمرت كوبا بعد طرد اسبانيا منها وحتى عام 1902 عـندما منحت الجزيرة استقلالا شكليا.

كوبا كانت ماخورا أمريكيا

   لقد حولت الولايات المتحدة كوبا حتى نشوب الثورة الى ماخور كبير فـملأتها بكازينوهات القمار وشبكات الدعارة وعـصابات المخدرات وأوكار الجريمة المنظمة. ومن يزور اليوم كوبا فإنه لا شك سيمر بالقـصور التي كان يملكها هناك عـتاة الجريمة في الولايات المتحدة من أمثال آل كابوني  ولاكي لوسيانو. ولكن امبراطور الجريمة بلا منازع  في كوبا وكافة الساحل الغـربي الأمريكي  وأرجاء أخرى من الولايات المتحدة كان اليهودي الصهيوني ماير لانسكي أحـد مؤسسي دولة إسرائيل وأحد الضالعـين الرئيسيين في المؤامرة الإسرائيلية التي انتهت باغـتيال الرئيس الأمريكي جـون كينيدي في دالاس في نوفمبر 1963.

CIA   وكان جون كينيدي قـد رفض تزويد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بقوات أمريكية لشن الهجوم على خليج الخنازير الذي أدى فشله الى غـضب جامح لدى زعـماء المعارضة الكوبية المقيمين في أمريكا، وعاصمتهم ميامي، وإلى وقوع خلاف عميق بين كينيدي وقادة السي آي إيه.

   وقامت الصحافة الأمريكية الصهيونية في الفترة التي سبقـت اغتيال كينيدي بالتركيز الشديد على هـذين المحورين وتضخيمهما إلى أبعد حد: العـداء الناشب بين كينيدي والمعارضة الكوبية  وبين كينيدي والسي آي إيه، وذلك كجزء من المؤامرة الإسرائيلية لاغـتيال كينيدي وإبعاد الشبهات عن إسرائيل. وصورت وسائل الإعلام الأمريكية لي هارفي أوزوالد (المتهم بإطلاق الرصاص على كينيدي) طيلة شهور قبل حادث الاغتيال كواحد من المهووسين بتأييدهم  لكاسترو وبالاتحاد السوفياتي في أمريكا. وقام اليهودي جاك روبي ( واسمه الحـقـيـقي جاكوب روبنشتين) باغتيال لي هارفي أوزوالد بعـد يومين من اغـتيال كينيدي أي في 24 نوفمبر 1963 تنفيذا لأوامر ماير لانسكي. وكان روبنشتين رجل لانسكي في مدينة دالاس. **

   وكان الدكتاتور فولخينثيو باتيستا الذي حكم كوبا للمرة الثانية منذ 1952 وحتى أطاحت به ثورة كاسترو الشيوعـية  قد أطلق يد لانسكي في كوبا حتى أصبح لذلك الصهيوني في الجزيرة امبراطورية بكل معـنى الكلمة. وعـقـد لانسكي في هافانا عددا من مؤتمرات لأباطرة الجريمة في الولايات المتحدة بينها "القمة" التي عـقـدها في ديسمبر 1946 في فندق ناثيونال ذي الشهرة العالمية والتي اخـتـُـتـمت بحفل غنائي أحياه ربيب المافـيا المغني الأمريكي فرانك سيناترا.

   هكذا كانت كوبا قبل ثورة كاسترو، ماخورا من القذارة يقـوم اقـتـصادها على المافـيات والمخدرات والجريمة المنظمة وبيوت الدعارة، وكان شعبها يرزح تحت وطأة الفـقـر والجهل والمرض. ولهذا السبب حاولت أمريكا استردادها عـبر مؤامرة بدأت وانتهت في غزو خليج الحنازير.

  إلا أن تصميم قادة الثورة الكوبية وعدم تخليهم عن ثوابتهم الثورية وأهدافهم أدت الى انتصارهم في النهاية وتنظيف الجزيرة بالتدريج من أي أثر للمافـيات والمجرمين، ثم النهوض بشعـب الجزيرة الى المستويات التي يتمتع بها الكوبيين اليوم رغـم الفـقـر الذي تعاني منه البلاد بسبب الحصار الأمريكي المفروض عليها.

   ولم تتراجع الولايات المتحدة يوما عن محاولاتها الإطاحة بنظام الثورة في كوبا فإضافة الى الحصار الإقتصادي  قامت بتمويل المعارضة الكوبية في أمريكا بمئات ملايين الدولار حتى تحولت هذه المعارضة المؤلفة من عشرات آلاف الكوبيين الفارين من الجزيرة من أنصار النظام البائد الى لوبي ضغط لا يستهان به في واشنطن. كما قامت أمريكا بمحاصرة كوبا إعلاميا بتشويه سمعـتها ومحاولة تأليب الشعب الكوبي على حكومته وبشكل يومي لاسيما عـبر إذاعة (راديو كوبا الحرة الدولية) التي تبث من ميامي.  

الثورة الكوبية "وثورات" الربيع العـربي و"الثورة " الفلسطينية

   لعل الثورة الكوبية (25 نوفمبر 1956- 1 يناير 1959) هي من أكثر الثورات نجاحا في التاريخ  الحديث وهي تتفـوق على غـيرها من الثورات الناجحة إذ أنها الوحيدة التي واجهت حـصارا اقـتـصاديا طويل الأمد وغزوا عسكريا من طرف قوة عظمى تفوقها قوة في كل مناحي الحياة أضعافا مضاعفه، وهي تضاهي في نجاحها على كافة الأصعدة نجاح الثورات الفرنسية (1789- 1790) و البلشفية في روسيا (1917) والشيوعـية في الصين (1927-1950) والإسلامية في إيران (1979).

  وتجمع بين كل هذه الثورات الناجحه عـناصر افـتقـرت إليها ثورات ما يعـرف بالربيع العربي  التي فـشلت جميعا (وأكرر أنها فشلت جميعا). وهذه العـناصر هي وجود عـقيدة و قادة  واضحي المعالم لهذه الثورات التفـت حولهم شعوبهم من أجل تحقيق تغيير جذري في البـُـنيـتـين التحتية والعلـيا، سياسيا واقـتـصاديا واجتماعـيا.

  لقد سارت الثورة الكوبية على نهج شاعـرها وأديبها الكبير خوسيه مارتي وخلف قائدها الفذ فيديل كاسترو (1853-1895) فيما يتعلق بالكفاح من أجل الحرية والاستقلال وسارت على العـقـيدة الشيوعية فيما يتعلق بتنظيم المجتمع والدولة. ولعـل من المفارقات العجيبة والصدف الغريبة أن شاعـر الحرية والثورة الكوبية خوسيه مارتي، الذي لقي مصرعه مقاتلا ضد الإستعمار الإسباني، كان شديد الإعجاب بالعرب وبالثقافة والتراث العربي والإسلامي، وأنه كتب في 1880 يقول: "من القسطنطينية انطلقـت الموجة المحمدية، مجتاحة المضيق، لتنـتـشر في طرابلس ولتؤجج الثورة في تونس". ولقد تحقـقت نبوءته بـ "الربيع العربي" ولكن على غـير ما كان يتطلع إليه.

   من يقلب صفحات التاريخ من شأنه أن يتلقن دروسا واضحة المعالم وشديدة السطوع من الثورة الكوبية والثورات الأخرى المذكورة، وهي دروس فحواها أنه، وكما 1+1=2 في الرياضيات، فإن العقيدة + القائد= النصر، في الثورات.

   لذلك فإن الثورات إما أن تكون كالثورات الآنفة الذكر وإما أن لا تكون.إما أن تقـتـلع الفساد والقائمين عليه من جذورهم وتلقي بهم بعيدا في مزبلة التاريخ وإما أن تـُصبح والقائمين بها في خبر كان. لا يوجد في الثورات حلا وسطا ولا يوجـد فيها مكانا للقاء بين النظام البائد ونظام الثورة. فإن حدث ذلك انتهت الثورة لا محالة الى ما انتهت إليه في بلدان "الربيع العربي" حيث لم يتغير شئ بل تردت الأوضاع من سئ إلى أسوأ وذلك كنتيجة حتمية لثورات افـتقرت الى العـقيدة وإلى القادة الصلبين والعنيدين والمنهجيين.

   ولعل الثورة الفلسطينية سبقت كل ثورات "الربيع العربي" بالتدهـور والتلاشي وتخييب كل آمال شعـبها بها إذ أنها افتقـرت للعـقـيدة الراسخة كما افـتـقـرت للقادة الأشداء الذين لا يحيدون قيد أنملة عن عـقيدتهم وأهداف ثورتهم ولو تآلبت الدنيا بأسرها عليهم.  إن أكثر ما ينطبق على الثورة الفلسطينية، بعيدا عن حركة حماس، هي مقولة المغني الراحل فريد الأطرش (دا أنا كلمة تجـيـبـني وكلمه تـوَدّيني) وقد أدى تطبيق قادة الثورة الفلسطينية لهذه المقولة حرفـيا طيلة العقود الأخيرة إلى وقوع "كارثة" حقيقية، حلت بعد "النكبة" وبعد "النكسه"،وتكاد حاليا أن تقضي نهائيا على الثورة الفلسطينية. ولعـل ما يواسي الشعـب الفلسطيني في المرحلة السوداء الراهنه ويحييي آماله بعض الشيء من جديد هـو وجود ثورة فلسطينية بديله في حركة حماس يبدو أنها قـد استوعـبت دروس الثـورات الكوبية والروسية والصينية والإيرانية، ولكن الطريق ما زالت أمامها طويلة.

   ولعل هذا هو السبب الذي يكمن فيه الحصار الإجرامي المفروض على غزة حاليا من طرف إسرائيل وأمريكا وأذنابهما في نسخة أشد إجراما من الحصار الذي تعاني منه كوبا منذ 1961  ليصبح كلاهـما  الحـصارين الوحيدين في العالم الذين ما زالا حـتى هذه اللحظة قيد التنفيذ.                           يناير2015

)http://www.rebelion.org/noticia.php?id=182108**(

(http://www.lolandesevolante.net/blog/2014/04/si-israele-ha-ucciso-john-f-kennedy/)

(http://www.diarioliberdade.org/artigos-em-destaque/400-reportagens/47291-said-alami-sim-israel-   assassinou-john-f-kennedy.htm 

DEJE AQUÍ SU COMENTARIO    (VER COMENTARIOS)


COMPARTIR EN:

Todos los derechos reservados كافة الحقوق محفوظة - Editor: Saïd Alami محرر الـموقـع: سـعـيـد العـَـلـمي
E-mail: said@saidalami.com